فصل: ومن باب الرجل يزني بحريمه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب رجم المرأة الجهنية:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشامًا الدستوائي حدثهم عن يحيى، عَن أبي قلابة، عَن أبي المهلب عن عمران بن حصين «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنها زنت وهي حبلى فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وليًا لها فقال له أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها فلما أن وضعت جاء بها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت».
قوله: شكت ثيابها أي شدت عليها لئلا تتجرد فتبدو عورتها.
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه «أن امرأة، يَعني من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد فجرت فقال ارجعي فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت لعلك إن ترددني كما رددت ماعز بن مالك فوالله أني لحبلى، فقال لها ارجعي فرجعت فلما كان الغد أتته فقال لها ارجعي حتى تلدي فرجعت فلما ولدت أتته بالصبي فقالت هذا قد ولدته قال ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها فرجمت».
قلت: أما الحديث الأول الذي رواه عمران بن حصين ففيه أنه لم يستأن بها إلى أن ترضع ولدها ولكنه أمر برجمها حين وضعت.
وكذلك روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه فعل بشراحة رجمها لما وضعت حملها، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تترك حتى تضع ما في بطنها ثم تترك حولين حتى تفطمه.
ويشبه أن يكون قد ذهبا إلى هذا الحديث، إلاّ أن إسناد الحديث الأول أجود وبشير بن المهاجر ليس بذاك.
وقال أحمد بن حنبل هو منكر الحديث وقال في أحاديث ماعز كلها إن ترديده إنما كان في مجلس واحد إلاّ ذلك الشيخ بشير بن مهاجر وذلك عندي منكر الحديث.
قلت: قد ذكر في هذا الحديث أنه قد حفر لها وقد اختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا يحفر للرجل ويحفر للمرأة وهو قول أبي يوسف وأبي ثور.
وقال قتادة يحفر للرجل والمرأة جميعًا. وقال أحمد أكثر الأحاديث أن لا يحفر له وقد قيل يحفر له.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عَن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقضى بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما أجل يا رسول الله فاقضي بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال تكلم، قال إن ابني كان عسيفًا على هذا، والعسيف الأجير فزنا بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عامًا وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي بامرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها».
قوله: «والله لأقضين بينكما بكتاب الله» يتأول على وجوه أحدها أن يكون معنى الكتاب الفرض والإيجاب يقول لأقضين بينكما بما فرضه الله وأوجبه إذ ليس في كتاب الله ذكر الرجم منصوصا متلوا كذكر الجلد والقطع والقتل في الحدود والقصاص.
وقد جاء في الكتاب بمعنى الفرض كقوله عز وجل: {كتاب الله عليكم} [النساء: 24] وكقوله: {كتب عليكم القصاص} [البقرة: 178] أي فرض، وقال عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها} [المائدة: 45] أي فرضنا وأوجبنا.
ووجه آخر وهو أن ذكر الرجم وإن لم يكن منصوصًا عليه باسمه الخاص فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال والإبهام ولفظ التلاوة منطو عليه وهو قوله: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] والأذى يتسع في معناه للرجم ولغيره من العقوبة.
وقد قيل إن هذه الآية لما نسخت سقط الاستدلال بها وبمعناها.
وفيه وجه آخر وهو أن الأصل في ذلك قوله: {أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15] فضمن الكتاب أن يكون لهن سبيل فيما بعد ثم جاء بيانه في السنة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».
ووجه رابع وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال قرأناها فيما أنزل الله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وهو ما رفعت تلاوته وبقي حكمه والله أعلم.
وفي الحديث من الفقه أن الرجم إنما يجب على المحصن دون من لم يحصن.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يبدأ باستماع كلام أي الخصمين شاء.
وفيه أن البيع الفاسد والصلح الفاسد وما جرى مجراهما من العقود منتقض وأن ما أخذ عليها مردود إلى صاحبه.
وفيه أنه لم ينكر عليه قوله فسألت أهل العلم ولم يعب الفتوى عليهم في زمانه وهو مقيم بين ظهرانيهم.
وفيه إثبات النفي على الزاني والتغريب له سنة وهو قول عامة العلماء من السلف وأكثر الخلف وإنما لم ير التغريب منهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن.
وفيه أنه لم يجمع على المحصن الرجم والجلد.
وفيه أنه لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفتيًا عن ابنه مخبرًا عنه إن زنا بامرأته لم يجعله قاذفًا لها.
وفيه أنه لم يوقع الفرقة بالزنا بينها وبين زوجها.
وفيه أنه لم يشترط عليها في الاعتراف بالزنا التكرار وإنما علق الحكم بوجود الاعتراف حسب.
وفيه دليل على جواز الوكالة في إقامة الحدود وقد اختلف العلماء فيها.
وفيه دليل على أنه لا يجب على الإمام حضور المرجوم بنفسه.
وفيه إثبات الإجارة والحديث فيها قليل وقد أبطلها قوم لأنها زعموا ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة.
وفي الحديث دليل على قبول خبر الواحد.

.ومن باب رجم اليهود:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الزناة فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفعها فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله فرجما قال ابن عمر رضي الله عنه فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة».
قلت: هكذا قال يجنأ والمحفوظ يحنا أي يكب عليها، يقال حنا الرجل يحنا حنوا إذا أكب على الشيء قال كثير:
أعزة لو شهدت غداة بنتم ** حنوء العائدات على وسادي

فيه من الفقه ثبوت أنكحة أهل الكتاب وإذا ثبتت أنكحتهم ثبت طلاقهم وظهارهم وإيلاؤهم.
وفيه دليل على أن نكاح أهل الكتاب يوجب التحصين إذ لا رجم إلاّ على المحصن. ولو أن مسلمًا تزوج يهودية أو نصرانية ودخل بها ثم زنا كان عليه الرجم وهو قول الزهري، وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه الكتابية لا تحصن المسلم وتأول بعضهم معنى الحديث على أنه إنما رجمهما بحكم التوراة ولم يحملهما على أحكام الإسلام وشرائطه.
قلت: وهذا تأويل غير صحيح لأن الله سبحانه يقول: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] وإنما جاءه القوم مستفتين طمعًا في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة فأشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتموه من حكم التوراة ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه الواجبة فيه.
وليس يخلو الأمر فيما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك عن أن يكون موافقًا لحكم الإسلام أو مخالفا له فإن كان مخالفًا فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ.
وإن كان موافقًا له فهو شريعته والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافًا إلى غيره ولا أن يكون فيه تابعًا لمن سواه.
وفيه دليل على أن المرجوم لا يشد ولا يربط ولو كان مربوطًا لم يمكنه أن يحنا عليها ويقيها الحجارة.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم سمعت رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ونحن عند ابن المسيب، عَن أبي هريرة، قال: «زنا رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله عز وجل قلنا فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المجلس في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زني إذا أحصن قالوا يحمم ويُجبَّه ويجلد والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار فيقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظّ به النشدة فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم قال النبي صلى الله عليه وسلم فما أول ما ارتخصتم في أمر الله قال زنا ذو قرابة من ملك ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنا رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه فقالوا لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة ثم أمر بهما فرجمهما».
التحميم تسويد الوجه بالحمم والتجبية مفسر في الحديث ويشبه أن يكون أصله الهمز وهو يجبأ من التجبئة وهو الردع والزجر، يقال جبأته فجبأ أي ارتدع فقلبت الهمزة هاء، والتجبية أيضًا أن تنكس رأسه فيحتمل أن يكون المحمول على الحمار إذا فعل ذلك به نكس رأسه فسمي ذلك الفعل تجبية.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون ذلك من الجبه وهو الاستقبال بالمكروه، وأصل الجبه إصابة الجبهة يقال جبهت الرجل إذا أصبت جبهته كما تقول رأسته أصبت رأسه.
وقوله ألظّ به النشدة معناه القسم وألح عليه في ذلك ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي سلوا الله بهذه الكلمة وواظبوا على المسألة بها.
والأسرة عشيرة الرجل وأهل بيته.
وفي قوله: «فإني أحكم بما في التوراة» حجة لمن قال يقول أبي حنيفة إلاّ أن الحديث عن رجل لا يعرف، وقد يحتمل أن يكون معناه أحكم بما في التوراة احتجاجًا به عليهم وإنما حكم بما كان في دينه وشريعته فذكره التوراة لا يكون علة للحكم.

.ومن باب الرجل يزني بحريمه:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف، عَن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال: «بينما أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلًا فضربوا عنقه فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه».
قوله: أعرس كناية عن النكاح والبناء على الأهل وحقيقته الإلمام بالعرس. وفيه بيان أن نكاح ذوات المحارم بمنزلة الزنا وأن اسم العقد فيه لا يسقط الحد.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال: «لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله».
قلت: وفي هذا التصريح بذكر النكاح وظاهره العقد وقد تأوله بعضهم على الوطء بلا عقد، وهذا تأويل فاسد ويدل على ذلك ما حدثنا أحمد بن هشام الحضرمي حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي حدثنا حفص بن غياث عن أشعث بن سواد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: «مر بي خالي ومعه لواء فقلت أين تذهب فقال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه».
قلت: فهذا جاء بلفظ التزويج كما ترى. ومن ادعى أن هذا النكاح شبهة فسقط من أجلها الحد فقد أبعد لأن الشبهة إنما تكون في أمر يشبه الحلال من بعض الوجوه وذوات المحارم لا تحل بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، وإنما هو زنا محض وإن لقب بالنكاح كمن استأجر أمة فزنى بها فهو زنا وإن لقب باسم الإجارة ولم يكن ذلك مسقطًا عنه الحد وإن كانت المنافع قد تستباح بالإجارات.
وزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتله لاستحلال نكاح امرأة أبيه، وكان ذلك مذهب أهل الجاهلية كان الرجل منهم يرى أنه أولى بامرأة أبيه من الأجنبي فيرثها كما يرث ماله وفاعل هذا على الاستباحة له مرتد عن الدين فكان هذا جزاؤه القتل لردته.
قلت: وهذا تأويل فاسد ولو جاز أن يتأول ذلك في قتله لجاز أن يتأول مثله في رجم من رجمه صلى الله عليه وسلم من الزناة فيقال إنما قتله بالرجم لاستحلال الزنا وقد كان أهل الجاهلية يستحلون الزنا فلا يجب على من زنى الرجم حتى يعتقد هذا الرأي وهذا ما لا خفاء بفساده وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لزناه ولتخطيه الحرمة في أمه.
وقد أوجب بعض الأئمة تغليظ الدية على من قتل ذا محرم، وكذلك أوجبوا على من قتل في الحرم فألزموه دية وثلثًا وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أتي بشارب في رمضان فضربه حد السكر وزاده عشرين لارتكابه ما حرم الله عليه في ذلك الشهر.
وقد اختلف العلماء فيمن نكح ذات محرم فقال الحسن البصري عليه الحد وهو قول مالك بن أنس والشافعي.
وقال أحمد بن حنبل يقتل ويؤخذ ماله، وكذلك قال إسحاق على ظاهر الحديث وقال سفيان يدرأ عنه الحد إذا كان التزويج بشهود.
وقال أبو حنيفة يعزر ولا يحد.
وقال صاحباه أما نحن فنرى عليه الحد إذا فعل ذلك متعمدًا.